الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.في رَجُلٍ جَنَى جِنَايَةً فَرَهَنَ بِهَا رَهْنًا: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يَجْنِي جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، ثُمَّ تَقُومُ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ فيفَلِّسُونَهُ: إنَّ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ يَضْرِبُ بِدَيْنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَى الرَّهْنَ جَائِزًا لِلْمُرْتَهِنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ عَبْدَيْنِ عِنْدَ رَجُلٍ. فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، بِكَمْ يَفْتَكُّ الرَّاهِنُ الْبَاقِيَ؟ قَالَ: بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مُصِيبَةَ الْعَبْدِ مِنْ الرَّاهِنِ. .أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا وَهُوَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ: قَالَ: إنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قِيلَ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْ أَوْ افْدِ فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ فَدَاهُ وَكَانَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَفْدِي وَأَنَا أَدْفَعُ الْعَبْدَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الْأَجَلُ. فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَدَّى الدَّيْنَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ بِجِنَايَتِهِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، وَإِنْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ بِالْجِنَايَةِ. وَلَا يُشْبِهُ إقْرَارُهُ هَهُنَا الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ عَلَى الْجِنَايَةِ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ، وَلَكِنْ قَدْ قَالَ مَالِكٌ - في جِنَايَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ رَهْنًا فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْجِنَايَةِ -: مَا قَدْ أَخْبَرْتُكَ وَهَذَا رَأْيِي. .(فيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ دَارًا وَهُمْ صِغَارٌ): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ حَبَسْت عَلَى وَلَدِي دَارًا لِي وَهُمْ صِغَارٌ، أَوْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ صِغَارٌ في حِجْرِي بِدَارٍ لِي، وَأَشْهَدْت لَهُمْ إلَّا أَنِّي فيهَا سَاكِنٌ حَتَّى مِتُّ أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ في قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يَهَبُ لِوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَهُمْ في حِجْرِهِ دَارًا، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِمْ أَوْ يَحْبِسُهَا عَلَيْهِمْ: إنَّ حَوْزَهُ لَهُمْ حَوْزٌ، وَصَدَقَتُهُمْ وَهِبَتُهُمْ وَالْحَبْسُ عَلَيْهِمْ ثَابِتٌ جَائِزٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ سَكَنَ فيهَا كُلِّهَا حَتَّى مَاتَ. فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فيهَا كُلِّهَا حَتَّى مَاتَ، فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا كَبِيرَةً فَسَكَنَ الْقَلِيلَ مِنْهَا وَجُلُّهَا الْأَبُ يُكْرِيهِ، فَحَوْزُهُ لَهُمْ فيمَا سَكَنَ وَفيمَا لَمْ يَسْكُنْ حَوْزٌ كُلُّهُ وَتَجُوزُ الْهِبَةُ وَالْحَبْسُ وَالصَّدَقَةُ في الدَّارِ كُلِّهَا إذَا كَانَ إنَّمَا سَكَنَ الشَّيْءَ الْخَفيفَ مِنْهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَتْ دَارًا سَكَنَ جُلَّهَا وَاَلَّذِي يُكْرِي مِنْهَا الْقَلِيلُ؛ لَمْ يَجُزْ لِلْوَلَدِ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، لَا مَا أَكْرَى وَلَا مَا سَكَنَ. قَالَ: وَالْأَحْبَاسُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ كُلُّهَا سَوَاءٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ حَبَسَ ذَلِكَ في دُورٍ مُفْتَرِقَةٍ فَسَكَنَ في دَارٍ مِنْهَا لَيْسَتْ تِلْكَ الدَّارُ الَّتِي سَكَنَ جُلَّ حَبْسِهِ وَلَا أَكْثَرَهُ، وَهِيَ في هَذِهِ الدُّورِ الَّتِي حَبَسَ خَفيفَةٌ؛ رَأَيْتُ الْحَبْسَ جَائِزًا لِلْوَلَدِ فيمَا سَكَنَ مِنْ ذَلِكَ وَفيمَا لَمْ يَسْكُنْ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي سَكَنَ، هِيَ جُلُّ الدُّورِ وَأَكْبَرُهَا قَالَ مَالِكٌ: فَلَا يَجُوزُ مِنْ الدُّورِ هَهُنَا لِلْوَلَدِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، لَا مَا سَكَنَ وَلَا مَا لَمْ يَسْكُنْ. قَالَ سَحْنُونٌ: الْكِبَارُ غَيْرُ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ يُسْكِنُ الْقَلِيلَ لِلصَّغَارِ، فيحُوزُ الْبَاقِيَ لَهُمْ، فيكُونُ حَازَ الْحَوْزَ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا كِبَارًا يَلُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَقَبَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَبَقِيَ يَسْكُنُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعْظَمَ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في حِيَازَةِ الدُّورِ: إذَا حَبَسَهَا الرَّجُلُ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ أَوْ الْكِبَارِ، وَسَكَنَ مِنْهَا الْمَنْزِلَ وَهِيَ ذَاتُ مَنَازِلَ، فَحَازَ الْكِبَارُ سَائِرَ الدَّارِ أَوْ كَانُوا أَصَاغِرَ فَكَانَتْ الدَّارُ في يَدَيْهِ إلَّا أَنَّهُ سَاكِنٌ في مَنْزِلٍ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ. قَالَ مَالِكٌ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَبَسَا جَمِيعًا دَارَيْهِمَا، وَكَانَا يَسْكُنَانِ فيهِمَا حَتَّى مَاتَا مَنْزِلًا مَنْزِلًا مِنْهَا. قَالَ مَالِكٌ: فَنَفَذَ حَبْسُهُمَا مَا سَكَنَا وَمَا لَمْ يَسْكُنَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ إذَا سَكَنَ مِنْ حَبْسِهِ أَقَلَّهُ؛ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ سَكَنَ أَكْثَرَهُ أَوْ كُلَّهُ؛ لَمْ يَجُزْ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. .في الرَّجُلِ يَغْتَصِبُ الرَّجُلَ عَبْدًا فيجْنِي عِنْدَهُ أَوْ يَرْتَهِنُ عَبْدًا فيعِيرَهُ: قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ مُخَيَّرٌ، إنْ أَحَبَّ أَسْلَمَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ الْغَاصِبِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِدِيَةِ الْجِنَايَةِ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَا يَتْبَعُ الْغَاصِبَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِمَّا دَفْعَهُ فيهِ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. .في رَجُلٍ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَأَعَارَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّاهِنِ: قَالَ: إنْ لَمْ يَعْطَبْ في عَمَلٍ اسْتَعْمَلَهُ الْمُسْتَعِيرُ فيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا مَاتَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. قُلْت: لِمَ أَوَلَيْسَ هَذَا الْمُرْتَهِنُ غَاصِبًا حِينَ أَعَارَ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ اسْتَوْدَعَهُ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّاهِنِ لَمْ يَضْمَنْ؟ قَالَ: لَا، وَهُوَ رَأْيِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا أَوْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا مِمَّا يَعْطَبُ في مِثْلِهِ فيضْمَنُ. قَالَ سَحْنُونٌ: هُوَ ضَامِنٌ، كَانَ هَلَاكُهُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا هَلَكَ بَعْدَ التَّعَدِّي وَبَعْدَ أَنْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَعَدَّى فَقَدْ ضَمِنَ. .رَهَنَ أَمَتَهُ وَلَهَا زَوْجٌ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ الْوَطْءِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ بَاعَهَا، أَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ الْوَطْءِ؟ أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ، فَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ جَارِيَةَ عَبْدٍ لَهُ؛ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ هَذَا الْعَبْدِ أَنْ يَطَأَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ رَهْنَهُمَا جَمِيعًا - عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ - لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَطَأَهَا. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ وَطِئَ الْعَبْدُ جَارِيَتَهُ بِأَمْرِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ أَفْسَدَ رَهْنَهُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ افْتَكَّهُمَا السَّيِّدُ، أَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْعَبْدِ كَمَا هِيَ في قَوْلِ؟ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ رَهَنَهَا السَّيِّدُ وَحْدَهَا ثُمَّ افْتَكَّهَا، أَوْ رَهَنَهَا هِيَ وَسَيِّدَهَا الْعَبْدُ ثُمَّ افْتَكَّهُمَا، أَهُمَا سَوَاءٌ؟ أَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْعَبْدِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إذَا افْتَكَّهَا السَّيِّدُ رَجَعَتْ إلَى الْعَبْدِ بِحَالِ مَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا رَهْنَهُمَا جَمِيعًا فَافْتَكَّهُمَا هُوَ أَبْيَنُ مِنْهُ حِينَ رَهْنَهَا دُونَهُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ وَقَدْ رَهَنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، أَيَجُوزُ هَذَا التَّزْوِيجُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ يَلْحَقُ الْجَارِيَةَ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُدْخِلَ في الرَّهْنِ مَا يُنْقِصُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ جَازَ. .في الرَّهْنِ بِالسَّلَفِ: فَقَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَرْهَنَنِي جَارِيَتَكَ فُلَانَةَ الْأُخْرَى بِجَمِيعِ الْأَلْفِ - وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ. قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ زَادَهُ في سَلَفِهِ الْأَوَّلِ رَهْنًا. قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ: أَنَا أُقْرِضُك أَيْضًا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي رَهْنًا بِجَمِيعِ حَقِّي الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ وَقَعَ هَذَا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ فَاسِدًا جَهِلُوا ذَلِكَ حَتَّى قَامَتْ الْغُرَمَاءُ فَفَلَّسُوا الْمُسْتَسْلِفَ أَوْ مَاتَ وَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ، أَيَكُونُ الرَّهْنُ الثَّانِي الَّذِي كَانَ فَاسِدًا رَهْنًا أَمْ لَا؟ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفي حَقَّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي لَا أَرَاهُ رَهْنًا إلَّا بِالسَّلَفِ الْآخَرِ؟ وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ في شَيْءٍ مِنْ السَّلَفِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. .في ارْتِهَانِ الدَّيْنِ يَكُونُ عَلَى الرَّجُلِ: فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ لَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ ذَلِكَ فيقْبِضَ ذِكْرَ الْحَقِّ وَيُشْهِدَ. قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ؟ قَالَ: يُشْهِدُ وَتُجْزِئُهُ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَبِعْتُهُ بَيْعًا وَارْتَهَنْتُ مِنْهُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ أَقْوَاهُمَا. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فيمَنْ ارْتَهَنَ دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَهَذَا جَائِزٌ لِمَا عَلَيْهِ. .كِتَابُ الْغَصْبِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ أَفْسَدَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا. قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْفَسَادُ يَسِيرًا رَأَيْتُ أَنْ يَرْفُوهُ ثُمَّ يَغْرَمَ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الثَّوْبَ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَفْسَدَهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ. وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في الثَّوْبِ، فَكُلُّ الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ هُوَ عِنْدِي عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمَحْمَلِ. قُلْت: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: لَا أُسَلِّمُ الثَّوْبَ وَقَدْ أَفْسَدَهُ فَسَادًا فَاحِشًا، فَقَالَ لَا أُسَلِّمُهُ وَلَكِنِّي أُتْبِعُهُ بِمَا أَفْسَدَهُ مِنْ ثَوْبِي؟ قَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ احْتَبَسَهُ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ. وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَا بَيْنَهُ إذَا أَفْسَدَهُ فَسَادًا كَثِيرًا وَإِذَا أَفْسَدَهُ فَسَادًا يَسِيرًا، أَنَّ الْيَسِيرَ لَا مَضَرَّةَ فيهِ عَلَى صَاحِبِهِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ وَلَمْ يَلْزَمْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، وَإِنَّهُ حِينَ أَفْسَدَهُ فَسَادًا كَثِيرًا، فَصَاحِبُهُ يَحْتَجُّ يَقُولُ أَبْطَلَ عَلَيَّ ثَوْبِي فَلِذَلِكَ يُخَيَّرُ. قَالَ: وَلَقَدْ كَانَ مَالِكٌ - دَهْرَهُ - يَقُولُ لَنَا في الْفَسَادِ يَغْرَمُ مَا نَقَصَهُ وَلَا يَقُولُ يَسِيرًا وَلَا كَثِيرًا، ثُمَّ وَقَفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ في الْفَسَادِ الْكَثِيرِ. وَهُوَ أَيْضًا لَا مَضَرَّةَ فيهِ عَلَى الَّذِي أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَطْرَحُ عَنْهُ بِقَدْرِ الَّذِي بَقِيَ في يَدَيْ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ الَّتِي كَانَ يَغْرَمُ. وَلَيْسَ هَذَا بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ يُخَيَّرُ فيهِ، إنَّمَا هَذِهِ جِنَايَاتٌ، فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُخَيَّرُ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ. .فيمَنْ اغْتَصَبَ جَارِيَةً فَزَادَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ قَتَلَهَا: قَالَ: أَمَّا إذَا فَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَهُ وَقَدْ زَادَتْ قِيمَتُهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ في الزِّيَادَةِ عِنْدَ مَالِكٍ شَيْءٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا. وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا، فَرَبُّ الْجَارِيَةِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ بَيْعَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ. وَأَمَّا إنْ قَتَلَهَا الْغَاصِبُ وَقَدْ زَادَتْ عِنْدَهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ نَقَصَتْ لَكَانَ ضَامِنًا لَقِيمَتِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ، وَلَا يُشْبِهُ الْأَجْنَبِيَّ إذَا قَتَلَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَلَيْسَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ قَتَلَهَا، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ لِصَاحِبِ الْجَارِيَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا الْغَاصِبُ، فيكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ تَمَامُ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا. .فيمَنْ اغْتَصَبَ جَارِيَةً فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ فَمَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأَتَى سَيِّدُهَا: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِسَيِّدِهَا عَلَى هَذَا الَّذِي اشْتَرَاهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَاتَتْ وَتَكُونُ لِسَيِّدِهَا عَلَى الَّذِي اغْتَصَبَهَا قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا إنْ أَحَبَّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ الْغَاصِبُ فَذَلِكَ لَهُ. قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ بَاعَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: وَلِمَ أَجَزْتَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ الْغَاصِبِ الْجَارِيَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْبَيْعُ السَّاعَةَ حِينَ يُجِيزُ سَيِّدُهَا الْبَيْعَ وَالْجَارِيَةُ مَيْتَةٌ، وَبَيْعُ الْمَوْتَى لَا يَحِلُّ؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا بَيْعُ الْمَوْتَى، إنَّمَا هَذَا رَجُلٌ أَخَذَ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ في هَذَا إلَى حَيَاتِهَا وَلَا إلَى مَوْتِهَا إذَا رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. .(فيمَنْ اغْتَصَبَ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ): قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً، فَبَاعَهَا في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ، فَقُتِلَتْ عِنْدَهُ فَأَخَذَ لَهَا أَرْشًا، ثُمَّ قَدِمَ سَيِّدُهَا فَاسْتَحَقَّهَا؟ قَالَ: سَيِّدُهَا مُخَيَّرٌ في قَوْلِ مَالِكٍ، إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهَا مِنْ الْغَاصِبِ يَوْمَ غَصَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ الْغَاصِبُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ لِسَيِّدِهَا أَيْضًا، إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْعَقْلَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الَّذِي قَتَلَ الْجَارِيَةَ، يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْهُ ذَلِكَ الْعَقْلَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ نَفْسُهُ قَتَلَهَا، فَأَرَادَ سَيِّدُ الْجَارِيَةِ حِينَ اسْتَحَقَّهَا أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ جَارِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا؟ قَالَ: ذَلِكَ لَهُ، وَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ مَالِكٍ. قُلْت: فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا لِقَتْلِهِ إيَّاهَا، أَتَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْت لَكَ: إنَّهُ يُضَمَّنُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فيمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ثِيَابًا، فَأَكَلَ الطَّعَامَ أَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ، فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ رَجُلٌ: إنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي طَعَامًا مِثْلَهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ الثِّيَابِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُهُ الْجَارِيَةَ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ عَنْهُ مَوْتُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى يُعْرَفُ، وَالثِّيَابُ وَالطَّعَامُ كَذَلِكَ أَيْضًا، لَوْ جَاءَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ يُعْرَفُ فَهَلَكَ، لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. .(فيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَقَطَعَ يَدَهَا): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَقَطَعْتُ يَدَهَا أَوْ فَقَأْتُ عَيْنَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ وَيُضَمِّنَنِي مَا نَقَصَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الثَّوْبِ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فيلْبَسُهُ فيتَغَيَّرُ مِنْ لُبْسِهِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّهُ رَجُلٌ: إنَّهُ يَأْخُذُهُ وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي مَا نَقَصَ لُبْسُهُ الثَّوْبَ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ في هَذَا مِثْلُ الثَّوْبِ، لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ وَيُضَمِّنَكَ مَا نَقَصَهَا جِنَايَتُكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ مُشْتَرِي الثَّوْبِ إذَا أَخَذَ رَبُّ الثَّوْبِ الثَّوْبَ، وَأَخَذَ مِنْهُ مَا نَقَصَهُ اللُّبْسُ، أَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. .فيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مَغْصُوبَةً وَلَا عِلْمَ لَهُ فَأَصَابَهَا أَمْرٌ مِنْ السَّمَاءِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ شَاءَ نَاقِصَةً، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ الْغَاصِبُ وَيُسَلِّمَهَا، وَهَذَا في الثَّمَنِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصَبَهَا، وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْت: وَلِمَ لَا تَجْعَلُهُ يَأْخُذُ جَارِيَتَهُ، وَيَأْخُذُ مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَهُ فَذَهَبَتْ عَيْنُهَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَا نَقَصَهَا عِنْدَهُ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً وَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصَبَهَا. قُلْت: فَلِمَ قُلْت إذَا بَاعَهَا الْغَاصِبُ فَحَدَثَ بِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ: إنَّهُ يَأْخُذُ جَارِيَتَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي مِمَّا نَقَصَهَا الْعَيْبُ؟ قَالَ: أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَهَا عِنْدَهُ مِنْ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْغَاصِبُ، فَإِنَّمَا امْتَنَعْتُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ الْجَارِيَةَ الْعَيْبُ الَّذِي أَصَابَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنِّي لَوْ جَعَلْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ الْغَاصِبَ يَرُدُّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا أُخِذَتْ الْجَارِيَةُ مِنْهُ، فَإِذَا رَدَّ الثَّمَنَ وَجَعَلْتُ عَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا قِيمَةَ الْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فيكُونُ الْغَاصِبُ رَدَّ الْجَارِيَةَ وَأُغْرِمَ قِيمَةَ الْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ مَالِكٍ مَا أَصَابَهَا عِنْدَهُ مِنْ عَيْبٍ مِنْ السَّمَاءِ إذَا اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ. فَلَا أَرَى لِرَبِّهَا إنْ أَصَابَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً، أَوْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصَبَهَا، أَوْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فيأْخُذَ الثَّمَنَ. .(فيمَنْ اغْتَصَبَ دَابَّة فَبَاعَهَا في سُوق الْمُسْلِمِينَ فَقَطَعَ يَدهَا): قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً أَوْ جَارِيَةً، فَبِعْتُهَا مَنْ رَجُلٍ، فَأَتَى رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا وَهِيَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِحَالِهَا لَمْ تَحِلَّ عَنْ حَالِهَا، فَأَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَنِي قِيمَتَهَا؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ، إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يُجِيزَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَمْ تَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهَا، فَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصَبَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا جَارِيَتُهُ أَوْ دَابَّتُهُ أَوْ ثَمَنُهَا، إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْغَاصِبِ. قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ في الدَّابَّةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَعْمَلَهَا فَأَعْجَفَهَا أَوْ أَدْبَرَهَا أَوْ نَقَصَهَا، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ قِيمَةَ دَابَّتِهِ يَوْمَ غَصْبِهَا. فَقُلْت لَهُ: أَفَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَأْخُذَ كِرَاءَ مَا اسْتَعْمَلَهَا؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ وَجَدَهَا عَلَى حَالِهَا، أَوْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا إذَا كَانَ دَخَلَهَا نَقْصٌ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ عَمَلِهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ بَاعَهَا فَلَمْ تَتَغَيَّرْ، فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إذَا وَجَدَهَا بِحَالِهَا إلَّا سِلْعَتَهُ، أَوْ الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ الْغَاصِبُ. وَلَا يُنْظَرُ في هَذَا وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى في حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ في الْغَصْبِ: إنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ. .(فيمَنْ اغْتَصَبَ جَارِيَةً فَأَصَابَهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبَنِي رَجُلٌ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا، فَأَصَابَهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ قَلِيلٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ، فَاسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا. وَقَالَ الْغَاصِبُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، إنَّمَا لَكَ أَنْ تَأْخُذَ جَارِيَتَكَ وَأَضْمَنُ لَكَ مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ غَيْرُ مُفْسِدٍ. مَا الْقَوْلُ في هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ إلَّا جَارِيَتُهُ إلَّا أَنْ تَنْقُصَ في بَدَنِهَا، وَلَمْ يَقُلْ لِي نُقْصَانُ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، وَذَلِكَ عِنْدِي سَوَاءٌ إنْ نَقَصَتْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً عَلَى حَالِهَا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا فَذَلِكَ لَهُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبَنِي رَجُلٌ جَارِيَتِي، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ أَوْلَادًا فَمَاتَ الْأَوْلَادُ عِنْدَهُ، أَيَضْمَنُهُمْ لِي في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فيمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَهُمْ، أَيَضْمَنُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ عَبْدِي، أَوْ يَدَ أَمَتِي، أَوْ فَقَأَ أَعْيُنَهُمَا، أَوْ قَطَعَ أَيْدِيَهُمَا، أَوْ قَطَعَ أَرْجُلَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا، مَا يَكُونُ عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: يَضْمَنُ الْجَانِي عَلَى الْعَبْدِ قِيمَةَ الْعَبْدِ كُلَّهَا إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ قَدْ أَفْسَدَتْهُ، بِمَنْزِلَةِ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْعُرُوضِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ إذَا كَانَ فَسَادًا لَا مَنْفَعَةً في الْعَبْدِ حَتَّى يُضَمَّنَهُ مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ، عَتَقَ عَلَيْهِ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ، وَهُوَ رَأْيِي وَرَأْيُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ دَابَّتِي، أَوْ رِجْلَهَا، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا، أَوْ قَطَعَ أُذُنَهَا، أَوْ ذَنَبَهَا؟ قَالَ: الدَّابَّةُ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا بِهِ عَيْبًا أَفْسَدَ الدَّابَّةَ حَتَّى يَكُونَ فيهَا كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ، أَخَذَهَا الْجَانِي عَلَيْهَا وَغَرِمَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِرَبِّهَا، بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ في الثَّوْبِ. وَإِنْ كَانَ عَيْبًا يَسِيرًا أُغْرِمَ مَا نَقَصَهَا مِثْلُ مَا قُلْت لَكَ في الثَّوْبِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْت: وَالْغَنَمُ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، إذَا أَصَابَهَا رَجُلٌ بِعَيْبٍ؟ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ مِثْلُ الثَّوْبِ عِنْدَ مَالِكٍ. .مَا جَاءَ في اغْتِصَابِ الْجَوَارِي: قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَضْمَنَ إلَّا قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ. قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: مَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ السَّاعَةَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبَنِي رَجُلٌ جَارِيَةً شَابَّةً، فَكَبِرَتْ عِنْدَهُ حَتَّى صَارَتْ عَجُوزًا، ثُمَّ أَقَمْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَأَرَدْتُ أَنْ أُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا مِنِّي. وَقَالَ الْغَاصِبُ هَذِهِ جَارِيَتُكَ خُذْهَا؟ قَالَ: الْهَرَمُ فَوْتٌ، وَلَهُ الْقِيمَةُ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَصَبَهَا فَأَصَابَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ عَيْبٌ مُفْسِدٌ، كَانَ لِرَبِّهَا أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا عِنْدَ مَالِكٍ يَوْمَ غَصْبِهَا، وَكَذَلِكَ الْهَرَمُ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْمُفْسِدِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في الْهَرَمِ: إنَّهُ في الْبُيُوعِ فَوْتٌ، فَكَذَلِكَ هُوَ في الْغَصْبِ عِنْدِي. .أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّ فُلَانًا غَصَبَهُ جَارِيَتَهُ: قَالَ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ. قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنِّي أَقَمْتُ شَاهِدًا عَلَى أَنَّهُ غَصَبَنِيهَا، وَأَقَمْتُ آخَرَ عَلَى أَنَّهَا جَارِيَتِي؟ قَالَ: لَا أَرَاهَا شَهَادَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ الْجَارِيَةَ نَقْصٌ، حَلَفَ مَعَ الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَأَخَذَ قِيمَتَهَا إنْ شَاءَ، وَقَدْ كَانَ قَالَ: أَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا جَائِزَةٌ. قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى أَرْضٍ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ آخَرَ أَنَّهَا حَيِّزَهُ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهَا لَهُ؛ لِأَنَّ حَيِّزَهُ تَرِكَتُهُ فَأَرَاهُمَا قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى الشَّهَادَةِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا مَعْنَى حَيِّزُهُ؟ قَالَ: هُوَ كَقَوْلِكَ: هَذَا حَيِّزُ فُلَانٍ وَهَذَا حَيِّزُ فُلَانٍ. .اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَبَاعَهَا فَضَاعَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ فَأَجَازَ الْبَيْعَ: قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ أَرَادَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ الْغَاصِبِ. قُلْت: وَلَا تَرَاهُ إذَا أَجَازَ الْبَيْعَ قَدْ جَعَلَ الْغَاصِبَ مُؤْتَمَنًا في الثَّمَنِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَزَلْ ضَامِنًا لِلْجَارِيَةِ حِينَ غَصَبَهَا، أَوْ لِلثَّمَنِ حِينَ بَاعَهَا إنْ أَرَادَ رَبُّ الْجَارِيَةِ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ، فَلَا يُبْرِئُهُ مِنْ ضَمَانِهِ الَّذِي لَزِمَهُ الْأَدَاءُ. .(فيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبْتُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ فَبِعْتُهَا، فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَأَتَى رَبُّهَا فَأَجَازَ الْبَيْعَ، أَيَجُوزُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا بَاعَهَا الْغَاصِبُ فَأَرَادَ بِهَا أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَسْتُ أَلْتَفِتُ إلَى وِلَادَتِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي. أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ هِيَ نَفْسُهَا، فَأَجَازَ سَيِّدُهَا الْبَيْعَ أَخَذَ الثَّمَنَ، وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؟ فَلَسْتُ أَلْتَفِتُ إلَى نُقْصَانِ الْجَارِيَةِ وَلَا إلَى زِيَادَتِهَا إذَا أَجَازَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُجِيزُ الْيَوْمَ أَمْرًا قَدْ كَانَ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَإِذَا أَجَازَ الْيَوْمَ فَالْجَارِيَةُ لَمْ تَزَلْ لِلْمُشْتَرِي مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا، فَنَمَاؤُهَا لَهُ وَنُقْصَانُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَهُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا إذَا أَجَازَ رَبُّ الْجَارِيَةِ الْبَيْعَ. .فيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَبَاعَهَا الْغَاصِبُ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ: ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَجَاءَ رَبُّهَا فَأَجَازَ الْبَيْعَ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ قَدْ ذَهَبَ مَنْ عَيْنِهَا، فَقَالَ: إنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ وَلَا أَعْلَمُ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ مِنْ عَيْنِهَا، وَأَنَا الْآنَ لَا أُجِيزُ؟ قَالَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ. قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ اكْتَرَى مَنْ رَجُلٍ دَابَّةً فَتَعَدَّى عَلَيْهَا فَضَلَّتْ مِنْهُ في تَعَدِّيهِ، فَضَمَّنَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ قِيمَتَهَا، ثُمَّ أَصَابَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْمُتَعَدِّي، فَأَرَادَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَخْذَهَا. قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ لَهُ فيهَا، وَهِيَ لِلْمُتَعَدِّي؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ شَاءَ صَبَرَ وَلَمْ يُعَجِّلْ حَتَّى يَنْظُرَ أَيَجِدُهَا أَمْ لَا. قُلْت: فَمَسْأَلَتِي لَا تُشْبِهُ هَذِهِ قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنْ لَوْ شَاءَ رَبُّ الْجَارِيَةِ اسْتَثْبَتَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ الْغَاصِبِ فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا فَأَجَازَ الْبَيْعَ، أَتَكُونُ حُرَّةً بِالْعِتْقِ الَّذِي أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ رَبُّهَا الْبَيْعَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَمَتَى جَازَ الْبَيْعُ، أَقَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ؟ قَالَ: لَمْ يَزَلْ الْبَيْعُ جَائِزًا، فَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ رَبُّهَا فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِنْ أَجَازَهُ فَلَمْ يَزَلْ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ فَصَارَ بَيْعًا جَائِزًا، إلَّا أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ الْمُسْتَحِقُّ، فَلِذَلِكَ جَازَ الْعِتْقُ وَصَارَ نَمَاؤُهُ وَنُقْصَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي، فَأَتَى سَيِّدُهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ وَيَرُدَّهَا في الرِّقِّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: وَإِنْ كَانَتْ قَدْ نَقَصَتْ أَوْ زَادَتْ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيُبْطِلَ الْعِتْقَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
|